لا زلنا نستطلع اطلال حضارة اهل الصحراء .. صحبة رفيقي .. انصت لسرديته الطويلة عن المكان والزمان وتاريخ من عبروا وغبروا .. كانوا هنا عندما كانت هذه الاودية والمرتفعات التي تحيط بنا سفوح خضراء .. كان ذلك في العصور الوسيطة .. جرمة كانت العاصمة .. وها هي اثار ما تبقى من اساسات العمران وقد طمرتها الرمال .. وهي تعود بنا الى القرن الأول الميلادي .. شاهدا يتحدث عن جرأة اهلها وقدرتهم على اختراق الصحراء وشجاعتهم النادرة في التصدي للغزاة .. قاوموا الزحف الرماني القادم من الشمال .. وتمكنوا مجتمعين من الوصول إلى أبواب لبدة سنة 70م . ولم تقم علاقات سلمية مع الرومان إلا في عهد الإمبراطور الليبي الأصل (سيبتيموس سيفيروس) في القرن الثاني الميلادي، حيث نشطت التجارة وبلغت جرمة أوج إزدهارها في القرنين الثاني والثالث الميلاديين.
شكلت جرمة نقطة عبور وتوافد ، ومحطة مهمة لتجارة القوافل .. وامتد سلطانها ليشمل الامتداد الصحراوي المعروف حاليا باقليم فزان .. اثار المدافن الجرمنية المكتشفة اخيرا على امتداد وادي الاجال .. ووادي الشاطىء والمناطق المحيطة بزويلة ومرزق وغدوه ووادي برجوج ، إلى غدامس وتاسيلي الهجار ومرتفعات ( أدرار ايفوغاس )وحتى الحدود الحالية للنيجر. تشيرالى الانتشار السكاني وانتعاش العمران بالمكان . (أهرامات الحطية) (المقابر الملكية) و( مقابر أبو درنه ) . تتوجها شكل راحة اليد (خميسة) تتقدمها موائد قربان حجرية . شيء من حديث رفيقي وما اسعفه به حديث المؤرخين .. تحدث المؤرخ اليوناني الشهير ” هيرودوت ” ( 484 – 434 ق . م ) في كتاباته عن القبائل الليبية القديمة فذكر قبيلة الجرمنت التي كانت تستوطن منطقة فزان وبالتحديد منطقة جبل زنككرا حيث تقع على قمة الجبل أقدم الآثار االجرمنتية التي عُثر عليها حتى الآن.
ومضات من المؤتمر الأول للتاريخ ( جامعة قار يونس) 1968
(1)
تعد مدينة جرمة اقدم واشهر مدن الصحراء الكبرى . فقد جاء ذكرها في كتب المؤرخين الكلاسيك من الاغريق والرومان الاقدمين وانه يمكننا ان نقول بشيء من اليقين انهم كانوا هناك في القرن السادس قبل الميلاد على اقل تقدير . (سليمان ايوب )
(2)
شغلت عصور ما قبل التاريخ 99% من عمر الانسان .وان الواحد بالمائة الباقي يتضمن عمر جميع الحضارات ، القديمة منها والوسيطة والحديثة . ( طه باقر)
(3)
ان مهد الانواع البشرية القديمة التى ظهرت في اوائل العصر الحجرى القديم كان في افريقيا ولا سيما في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية منها .. وان الجنس الاسود هو اصل الاجناس الاخرى . (طه باقر)
(4)
لعل اهرامات فزان في الحيطة و الخرانق تشير يوما الى صلة باؤلئك المرويين ، وكان ملوكهم يدفنون في اهرامات ، الامر الذي يؤكد مرة اخرى ضرورة الاهتمام بفزان و الواحات من ناحية البحث الاثرى .. يجب ان نتجه ببحثنا نحو الصحراء ، وفي فزان ذاتها حيث كان الجرامنت اكبر القبائل الليبية وقد كانوا مستقرين يزرعون وديانهم – مثل وادى الاجال ووادى الشاطى – وقد تركوا لنا الكثير من رسومهم الصخرية صوروا فيها الكثير من نواحى حياتهم . (فوزى خشم )
(5)
(حملة كلورنيلوس بالبوس _سنة 19 ق .م ) لم يعثر بفزان على اى اثر يدل على وصول الرومان في هذا التاريخ المبكر الى فزان كذلك لم يوجد بالصحراء اى نصب تذكارى او نقش او اى شئ مما اعتاد الرومان ان يخلدوا به انتصاراتهم في البلاد المفتوحة . كما وان النصوص الرومانية تشير الى ان الجرامنت كانوا يحاربون بعد مرور اقل من مائة سنة من حملة بالبوس على ساحل طرابلس . ولا يمكن ان يعقل ذلك الامر ان لم يكن الجرامنت قد طردوا الرومان من فزان اولا . (سليمان ايوب)
(6)
الامبروطور سبتميوس سيفورس .. لما انتقل الى افريقيا واستقر بها عمد اولا الى تغير نظام الدفاع بشكل يضمن للولاية امنها وسلامتها من خطر اهالى المناطق الداخلية خاصة قبيلتي النساميين والجرامنت اللتين تميلان دوما الى مزاولة الحروب وغزو المدن الساحلية .. وقد استمرت الغزوات الى عهد الاسكندر سويرس الذى عمل على تهجيرهم او اجلائهم عن اراضيهم فاضطروا الى التوجه نحو الجنوب حيث تسكن القبائل الزنجية ، غير انهم تمكنوا فيما بعد من تاسيس دولة غانا القديمة . (رمضان قديد)
(7)
يظهر من الصور الملونة في جبال الاكاكوس ان هؤلاء الرعاة .. بلغوا مرتبة رفيعة في فن الرسم ويمكن ان نعتبر الرسوم الموجودة .. بانها ارقى مرحلة وصل اليها فن الرسم لدى الرعاة .. ان عصر النهضة الجرامنتية قد انتج فنا رفيعا بلغ اقصى حدود الرقى والاثقان . (سليمان ايوب )
( 8 )
لعب الجرامنت في تاريخ الصحراء الكبرى نفس الدور الذي لعبه الفنيقيون في تاريخ البحر الابيض المتوسط ، فكان لهم الفضل في تمدين الشعوب الافريقية الموجودة الي الجنوب منهم وذلك عن طريق ادخال علوم ومعارف العالم المتحضر اليهم كما كان لهم الفضل ايضا في تعريف كتاب الرومان وغيرهم بعالم افريقيا الواقع للجنوب من الصحراء الكبرى ، وامدادهم بالمعلومات التى دونها جغرافيو العالم الرومانى في كتبهم . فكان لهذه الكتابات فضل كبير في ارشاد الرحالة الاوروبيين خلال عصر الكشوف الجغرافية بالقارة الافريقية . (سليمان ايوب)
(9)
هناك عاملا .. جعل تحريات عصور ماقبل التاريخ في ليبيا تتأخر في بدايتها زمنا اخر عنها في اقطار المغرب العربي فلا تنشط بمقياس علمي محترم الا في السنوات القليلة الماضية . ذلك هو اهتمام الباحثين الاثريين الايطاليين بالادوار الكلاسيكية ( اليونانية والرومانية ) وعدم الالتفات قليلا الي ادوار ماقبل التاريخ . طه باقر -
عابد .. عضو الجمعية
