مدونات ليبية
( مارين ) صحفية فرنسية مستقلة .. بهية الطلة ، هادئة المزاج ، باسمة الثغر .. البشاشة لا تفارق محياها .. واكثر من ذلك .. رائعة الجمال .. وفي لباقة طبعها تلحظ مهارة تفرض قبول الاخرين لها .. احبت ليبيا .. عاصرت احداث 2011 .. وكانت احدى العيون الناقلة للخبر بهمة ونشاط .. في لقاء المدونين بطرابلس .. تجاذبنا اطراف الحديث .. احيانا رغبة في تغذية فضول ، وفي اخرى تداعي تطورات الاحداث . فاتحة حديث .. وقد ادركت جذوري الجنوبية .. يساورها شغف زيارة فزان .. والكتابة عن مجتمع الطوارق .. وانها قرأت عنهم الكثير .. وسبل حياتهم .. من ازواد مالي .. الى موريتانيا .. الجزائر .. بوركينا .. فزان ليبيا .. وعن الجمل انيس وحدتهم .. وعن عمق علاقتهم به .. هذا المخلوق الضخم الجثة .. هادئ الطبع .. لين المراس .. رابط الجأش .. جبل على الوداعة والصبر وقوة الاحتمال ، لا يعرف التوقف خلال المسير ، ويظل يجرجر ارجله ويواصل سيره مهما بلغ به الارهاق طالما لم تنفد طاقته نهائيا ، .. حزين دائما .. وفي الاثر قيل ان انشقاق شفته العليا يعود الى انه حاول ذات مرة ان يبتسم .. ليس عدوانيا ، لكنه حقود .. ولا ينسى الاساءة اليه ,, واذا ما احس بالفزع قد يقدم على مهاجمة أي مخلوق يعترض طريقه . رفيق وصديق اهل الصحراء .. ينامون الى جواره وفي كنف ظله يستريحون.. نال تبجيلهم وتقديرهم واحترامهم على امتداد الاجيال والعصور ومنذ الازل .. حمل امتعتهم .. امدهم بالطعام .. حرث الارض .. وقدم لحمه وميص لبنه وليمة لهم .. ومن وبره وجلده .. مأواهم وكسوتهم .. عرف طريقه عبر رمال الصحراء التي لا تترك اثر على سطحها ، وترك عظامه البيضاء الى جانب المعابر التي غطتها الرمال .. فظلت مرشدا ودليلا لمن جاءوا بعده .. ومن غير المستبعد ان يكون الاثنان قد توافقا في الطباع .. انسان الصحراء .. والجمل سفينة الصحراء . اومأت لها بهمهمة مفتعلة لدرء .. نعم هذا صحيح .. ففي طباعنا الكثير مما في طبعه .. اللاعدوانية .. والصبر .. والوداعة ..، والتسامح ايضا .. وو الخ .. فرنسية تجيد العربية .. واخبار شعوب الصحراء .. وفيما بعد عام 2013 ذهبت الى فزان لإتمام تقريرها . مساء يوم 23 ابريل 2013 .. توجهنا سويا لمكتبة الفرجاني طرابلس .. شارع ميزران .. مكتبة عريقة ورائدة في مجال النشر وتوزيع الكتب والمؤلفات بليبيا. انشئت عام 1952م من قبل المرحوم الاستاذ محمد الفرجاني ، ومع السنين تصدرت مشهد النشر والتوزيع وحازت على شعبية وازدهار وسبق منقطع النظير . لقد استمتعت كثيرا ليس فقط بزيارة المكان كمنارة علمية ضاربة في عمق التاريخ وزاخرة بكم هائل من المؤلفات القيمة ، بل وايضا وجدت في حديث المشرف على ادارة المكتبة الاستاذ موسى شابوش وسيرة حياته ، وجه اخر لعهد انقضى عن نفض الكتاب لغبار السنين ، اطلعني ببهجة المشتاق على العديد من المؤلفات التي وجدت طريقها الى ارفف المكتبة حديثا ، لقد وجدت في استقباله لنا ، رحابة الصدر ، وبشاشة الوجه ، وكرم الطبع ، ونبل المحتد والمعشر، والروح الليبية الرحبة المحبة للقراء والكتاب والوطن . اشترت ( مارين ) مجلد رسوم ساخرة ” الوجه الاخر ” .. للفنان الزواوي .. سعره 15 دينار ..لكن قدر البهجة التي ارتسمت على وجهها وهي تحتضن الكتاب الى صدرها بنهم .. وكأنها عثرت على زمردة نادرة .. كدت اغار من الكتاب .. ومن فنان الكاريكاتير الليبي .. وريشته الذهبية .. رحمه الله . اقتنيت كتاب ” عشر سنوات في بلاط طرابلس ” .. وفي السيارة ونحن في طريق عودتنا للفندق .. سيارة فيتو .. السائق عمي علي .. موسع باله جلسنا سويا بالكرسي الخلفي .. .. اتصفح الكتاب وتسألني ما موضوعه .. عن الحياة داخل القلعة زمن العهد القرمانلي .. ” ريتشارد توللي ” زوجة القنصل البريطاني .. تسرب قصص بيت الباشا .. وصديقتها اللالا حلومه .. زوجة الباشا ..وحمامات ماء الورد .. والحنة والبخور .. واميرات القلعة .. ويوسف باشا وقتله اخيه .. وعمى الباشا بدعوة مرابط .. كانت مشدوهة لحديثي .. اقتربت اكثر وشاركتني تقليب الاوراق .. وتوقفت عند صورة يوسف باشا .. وعندما قرات لها ما دونته يوم 3 يوليو 1783 م . تؤرخ لسرقة فرنسا لاثار لبدة الكبرى .. ” اروع النصب الرومانية التي تم العثور عليها في لبدة ، حتى ان سبعة اعمدة غرانيتية ضخمة الحجم قد نقلت الى فرنسا لجمالها ، واستعملت في تزيين قصر لويس الرابع عشر ” .. قطبت حاجبيها .. وكأنها خشيت ان اقول لها لما لا تعيدوا لنا اثارنا المسروقة .. نفرت قليلا .. وكادت تبتعد .. وعندما لاحظت عدم اكتراثي .. وهي تعلم انني لا اكثرت بقصص حرب الذاكرة .. اطمأنت لنظراتي .. واقتربت مني اكثر .. هذه المرة . كنا قد اقتربنا من الفندق … طويت الكتاب .. وقلت في نفسي ليس الان وقت قراءة التاريخ .. ها قد وصلنا .. لملمت كتبي .. سألتني في ردهة الفندق .. ونحن نحتسي فنجان شاي بلبن .. عن مدى استفادتي من محاضراتها في الصحافة وملاحقة الاحداث ، وكان فريق فرنس 24 القائم بالمهمة .. وفي فندق الهارون كانت لقاءات مفعمة بالمودة .. تلاها اللقاء الاخير بتونس .. لتنتهي عند هذا الحد رحلة “مدونات ليبية ” .. ومضى كل في سبيله .


عضو ” مدونات ليبية ” سابقا .. وعضو الجمعية الفرنسية الليبية للثقافة والعلوم حاليا . د . عابد الفيتوري
